احيانا اشتاق الى نفسي

أحيانا أشتاق إلى نفسي ... أنظر في المرآة فلا أراني ..
أخاف ..
أفكر بكل أوهام المستقبل .. و كل أحزان الماضي .. و أنسى لحظتي ..
أخاف إذ لا أراني ..
أخاف إذ لا أجد حاضري حاضرا ..
كتلة مما مضى .. مليئة بترهات الجيل و مخاوف العجائز ..
كتلة مما سيأتي .. محملة بعبق الثروات ... و عبير البطولات ... و تكرار الطفولة .. و بذر الجينات ..
أنظر فلا أراني .. أخاف إذ لا أراني ..
تؤلمني ثلاثيني ..
و أشتاق لوحي الطيش .. بعيدا عن حزن النضج ..
أمسك كتبي .. فتتطاير الكلمات ..
أقرأ جملي ... فلا أجد حروفا ..
لكأن كل ما قد كتب .. قد كتب .. فكأنه يوم مضى .. بلا عودة ..
نكهة ذابت في الحلوق الجافة ..
فتات .. تناثر فوق الرصيف ...
و هل من شيء يشبه الهباء أكثر من فتات الأرصفة ..
.......
أحيانا أحن إلى نفسي ..
أبحث عني .. في بعض الطيور المراقبة ..
في ظلال الشجر ..
في فراشة ضلت الطريق .. تطير بلا سرعة .. و لا هدف محدد إلا الطيران ..
أبحث عني في ترنيمة قديمة .. ضاعت كلماتها .. و بقي لحنها .. يشبه رمالا لا تفنى ..
أبحث في صور نسيتها .. و رسومات رميتها ..
أبحث في قصائد ساذجة .. مليئة بأخطاء اللغة .. و أخطاء النحو .. قصائد تبتعد عن البلاغة و تقترب من وهج الحقيقة حد الاحتراق ..
أبحث ُ عني في حركة غراب الصباح الوحيد ..
طيرا مستذئبا .. كرهت الآفاق صوت الحقيقة العاري في صراخه اللامبالي ..
أبحث عني في ندائه اليومي الصريح .. ذات النداء الساخر الذي أطلقه منذ البدء ...
يا ابن آدم .. تقتل و لا تعرف أين تواري الجثث .. فتحملها فوق ظهرك ..
ادفنها ..
غباء ... غباااء ... غبااااااء ... غباااااااااااء ...
.......................
و إذ أفهم النداء أجدني ..
أقرأ قصة فوق الغيم ..
يكره الناس الغراب .. لأنه كان شاهدا على الجريمة الأولى .. منذ أن بدأت .. بدأ هو السخرية العارية ..
................

أحيانا ألملم نفسي ..
ألملم الأجزاء ..
أجزاء العشرة الأولى ... أجزاء العشرة الثانية .. أجزاء العشرة الثالثة ...
كل عشرة تنأى عن الأخرى ..
كل واحدة تقاوم الأخرى ..
كل واحدة تخاصم الأخرى .. و في تناقضها ... أجد نفسي ...
في مفترق الطرق .. أجد نفسي ..
و لكن ... كم يبدو سخيفا .. بناء وطن .. عند المفترق ..
............

أحيانا أشتاق إلى نفسي ..
أنظر في المرآة .. فلا أرى إلا مفترق الطرق